الهروب العظيم إلى حضن أم الدنيا

بقلم الحكم المصرى هشام الدسوقى

في زمن لم يعد للمنطق فيه مكان وسط الغبار النووي ومخاطر التلوث الإشعاعيّ والضربات الإيرانية المضادة. خرجت جموع من الناس والسياسيين والدبلوماسيين وحتى المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يركضون نحو ‌ #مصر⁩ ذلك البلد الذي طالما سخروا من فقره وضحكوا من لهجته وعيّروا أبناءه العاملين في دولهم بأنهم خدم وبوابون وفنيون من الدرجة العاشرة

‏ها هم اليوم يهرولون بأقدام مرتجفة وحقائب ممتلئة بأوراق نقدية لا قيمة لها بعد أن أعلنت الصفارات في طهران والرياض وتل أبيب وواشنطن وما بينهما حالة الطوارئ وأغلقت أبواب السفارات وبدأت الطائرات تطير بأجنحة الخوف والازدحام بكل لهفة نحو القاهرة

‏أم الدنيا التي كانوا يتهكمون على زحامها وتلوثها أصبحت فجأة واحة استقرارهم وسقف أمانهم ومخيم نجاتهم من صواريخ لا تميز بين قصر ومخيم ومن قنابل لا تحترم جواز سفر دبلوماسي ولا سيارة مصفحة

‏المفارقة الساخرة أن بعض أولئك اللاجئين الجدد هم نفسهم الذين وقفوا يوماً على منابر قنواتهم ينظرون على مصر وعلى شعبها ويدّعون تفوقهم الأخلاقي والسياسي والاجتماعي ويتهمونها بالضعف والتبعية والتأخر التنموي

‏لكن الآن حين اقترب الخطر من أبوابهم وتهاوت قلاعهم الورقية لم يجدوا إلا مصر بأمنها الراسخ وثباتها السياسي وضحكتها الساخرة التي لا تموت رغم كل شيء وجدوا فيها الحضن البارد في صيف مشتعلة فيه كل العواصم

‏حتى الإعلام الغربي بدأ يتحدث عن نموذج القاهرة في إدارة الأزمات وكيف أنها باتت مركز وساطة دبلوماسية وقاعدة لوجستية للنجاة ورمزاً لسياسة اللا صوت واللاضجيح التي بدت أكثر فعالية من كل صخب العالم

‏أما المواطن المصري الذي اعتاد لسنوات أن يسمع عن نفسه أنه عبء على دول الخليج أو أنه مجرد مصدر لتحويلات مالية فقد وجد نفسه فجأة في موقع القوة يبيع الشقة المفروشة على النيل بسعر الذهب ويشاهد جيرانه الجدد يطلبون الفلافل من الكشري ويشكرونه باللغة العربية الركيكة على الكرم المصري

‏لم يبق إلا أن يصدر بيان رسمي تقول فيه مصر إنها ترحب بالجميع بشرط ألا يسأل أحد عن سرعة الإنترنت ولا يشكو من زحمة المحور ولا يقترح تغيير اسم الحواوشي إلى سندويتش لحم شرقي احتراماً للذوق الدولي

‏إنها مصر يا سادة تلك التي كلما ظننتم أنها غارقة خرجت تضحك
‏وكلما حسبتموها هامشاً تحولت إلى ملجأ
‏وما أدراكم ما الملجأ

‏ضحك المصري أخيراً وقال لهم اشتغلنا عندكم سنين وجيتوا عندنا لاجئين
‏وما زال يضحك
‏ونحن نقول. الله يديم الضحكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *